مارس 2006
كان مساء ربيعيا عندما أحست أن " روس" بطل مسلسل فريندز فجأة أصبحت صورته مهزوزة في التلفاز و أنها لا تقوي علي الحركة من فرط سرعة ضربات قلبها. ظنت فقط إنها مرهقة. مجهدة من التعامل مع المرضي في تلك العيادة الفقيرة التي أجرتها مع 3 من أصدقائها, لا من زملائها, الآن بعد مرور 6 سنوات أصبحت تعرف الفرق.
أمسكت في المقعد الذي كانت تجلس عليه. إستندت علي الحائط في الطرقة القصيرة حتي وصلت إلي سريرها, ربما كان هذا أطول مشوار في حياتها.
" تجري بسرعة, يعدو ورائها كلب أسود, يحاول أن ينبح, صوته غير مسموع, سور شائك أمامها"
إبريل 2006
علي الطاولة البيضاء تتمدد بجسدها الذي فقد نحولته الزائدة, يضع الطبيب جيل أزرق أسفل ثديها الأيسر. بيده اليمني يزيح الثدي بعيدا و يحرك مقدمة السونار, تري حجرات قلبها بالأبيض و الأسود…
" يا رب… هتحجب… لأ! لأ! لأ! "
تخفي وجهها بكفها و هي تكتم تلك المقولة, تبتلعها. تحاول أن تقنع نفسها, أنها لا تعاقب, و أن الصفقات مع الإله لا تجوز.
ترتعد عندما تسمع صوت الطبيب القادم من زمن آخر.
مازال ثديها مكشوف.
" لا تقوي علي الحركة, تغمض عين و تفتح الأخري, تري تلك اللوحة الهدية من صديقتها دارين و التي نقش عليها آية الكرسي, اللوحة مقلوبة علي الحائط, تحاول أن ترفع الأغطية الثقيلة, تفشل"
مايو 2006
تأتيها دورتها الشهرية في إنتظام 28 يوم بالتمام منذ شهر مارس. تكره إنتظامها المقيت. فجأة ترتفع ضربات قلبها عندما تري إسم أحد أصدقاء الكلية علي شاشة التليفون. ترمي الهاتف بعيدا عنها. و عندما يأتيها صوت ريهام الهادئ يعاتبها علي إختفاء 3 شهور بدون خبر أكيد, و عندما يتحول العتاب إلي تقريع, تغلق الهاتف في وجهها و تملئ غرفتها بموسيقي الكونتري ميوزيك الهادئة. تري فراشات صغيرة تحلق أمام عينيها, تموت واحدة تلو الأخري, بل يحترقون, من الرماد تري شجرة صغيرة تكبر. تطرد الخيالات من أمام عينيها. تبحث عن كتف تستند عليه لبضع دقائق فلا تجد غير اللوم بإنها جبانة. تنكسر داخل عقلها و يتحول إحتياجها إلي حضن إلي خجل يلازمها.
" ورقة إمتحان فيزياء. تعلم جييدا أنها كانت متفوقة فيها. و لكنها اللآن تدرس الطب. لا تتذكر شئ. تترك ورقة الإجابة خالية"
ديسمبر 2006
تجلس القرفصاء علي سرير الكشف المغطي بجلد أسود مهرتئ في مقر عملها… تحاول أن تستند علي الحائط و لكن الإحساس الأسمنتي يبعث في جسدها برودة لا تحتملها الأن. تشعر بدوار شديد. تغمض عينيها فتتدافع الكلمات إلي رأسها. مرت 3 سنوات منذ اخر مرة شعرت فيها بهذه اللذة. هذا الحزن الذي يخنق صدرها ممزوج بفرحة ميلاد… كلمات تتدافع من عقلها تمر بقلبها لتكتب بأصابعها النحيلة علي ورقة بيضاء, فتنتفض كل أجزائها و تعود لتحلم.
" ضباب أسود يخرج من فتحة أنفها. ترجع برأسها إلي الوراء. يحاول الضباب أن يعود. تمسك بتلابيبه و تشده, فيخرج من كل فتحات جسدها. تنهار."
يوليو 2007
تتقدم بخطوات مهتزة نحو مبني ماسبيرو. لا تعلم حقا لماذا هي هنا. تري كل شئ حولها بصورة المنفصل عن الدنيا, فهي سوف تقرأ كلماتها علي الهواء مباشرة. لقد نسيت تماما أياما كانت هي فيها المعدة و المذيعة للإذاعة المدرسية طوال 4 سنوات متواصلة. تعلم جيدا أنها سوف تعاني تهتهة واضحة في هذه الليلة. تجلس أمام ميكروفون الإذاعة, لتسمع بدون سماعات صوت تلك السيدة الأربيعينة التي كانت تحتمي في صوتها طوال الأشهر الماضية بدون حتي ان تعرفها, يكفي أنها كانت تعطيها الأمل عبر كلمات تشجيعية بسيطة.
" تبحث عن جعران أزرق صغير لتضعها حلية حول رقبتها, تجده في غرفتها تحت كوم من الأتربة, تنفض عنه التراب و ترتديه"
مارس 2009
تجلس علي طرف سريرها و هي تمسك بكتاب بنفسجي صغير. تري إسمها منقوشا عليه. مازالت لا تستوعب. ها قد أتي مارس, بمخاوفه, بأحزانه. تشعر بدوار خفيف فتمسك في طرف السرير. تبتسم, تنظر عبر شباكها المفتوح إلي يمامة صغيرة تقف هناك. مازالت تحارب ذكري الجيل الأزرق, ذكري صورة " روس " المهتزة. تري الضباب الأسود قادم من كل ناحية. تغفو علي كتف حنون لا يشعرها بخجلها الزائد. تتصفح الكتاب, مع كل
صفحة تطرد شبحا.
November 7, 2011